سورة الحجر - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


سببُ عيشِ كلِّ مختلفٌ؛ فعْيْشُ المريدين من إقباله، وعيش العارفين التجمل بأفضاله.


خزائنه في الحقيقة مقدوراته، وهو- سبحانه- قادر على كل ما هو مرسوم بالحدوث.
ويقال خزائنه في الأرض قلوبُ العارفين بالله، وفي الخزانة جواهر في كل صنف؛ فحقائقُ العقل جواهر وضعها في قلوب قوم، ولطائف العلم جواهر بدائع المعرفة، وأسرار العارفين مواضع سِرِّه، والنفوس خزائن توفيقه، والقلوب خزائن تحقيقه، واللسان خزانةُ ذِكْرِه.
ويقال من عرف أن خزائن الأشياء عند الله تقاصرت خُطَاه عن التردد على منازل الناس في طَلَبِ الإرفاق منهم، وسعى في الآفاق في طلب الأرازق منها، قاطعاً أَمَلَه عن الخَلْق، مُفرِداً قلبَه لله متجرِّداً عن التعلُّق بغير الله.
قوله: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}: عَرَفَ القِسْمَة منْ استراح عن كدِّ الطلب؛ فإِنَّ المعلومَ لا يتغير، والمقسوم لا يزيد ولا ينقص، وإذا لم يَجِبْ عليه شيءٌ لأحد فبقدرته على إجابة العبد إلى طلبته لا يتوجب عليه شيء.
ويقال أراح قلوب الفقراء مِنْ تَحمُّل المِنَّةِ من الأغنياء مما يعطونهم، وأراح الأغنياء من مطالبة الفقراء منهم شيئاً، فليس للفقير صَرْفُ القلب عن الله سبحانه إلى مخلوق واعتقادُ مِنَّةٍ لأحد، إذ المُلْكُ كله لله، والأمر بيد الله، ولا قادر على الإبداع إلا الله.


قوله جلّ ذكره: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً}.
كما أن الرياحَ في الآفاق مُقَدِّمَاتُ المطر كذلك الآمال في القلوب، وما يقرب العبد مما يتوارد على قلبه من مبشرات الخواطر، ونسيم النجاة في الطلب يحصل، فيستروح القلب إليه قبل حصول المأمول من الكفاية واللطف.
قوله جلّ ذكره: {فَأَسْقَيْنَاكُمُوُهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}.
أسفاه إذا جعل له السُّقيا؛ كذلك يجعل الحق- سبحانه- لأوليائه ألطافاً معلومة في أوقات محدودة! كما قال في وصف أهل الجنة: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةَ وعَشِيّاً} [مريم: 62].
كذلك يجعل من شراب القلوب لِكُلِّ ورداً معلوماً، ثم قضايا ذلك تختلف: فمِنْ شراب يُسْكِر، ومن شراب يُحْضِر، ومن شراب يزيل الإحساس، كما قيل:
فصحوك من لفظي هو الصحو كله *** وسُكْرُكَ من لحظي يبيح لك الشُّرْبا
ويقال إذا هبَّت رياح التوحيد على الأسرار كنست آثار البشرية، فلا للأغيار فيها أثر، ولا عن الخلائق لهم خبر.
ويقال إذا هبَّت رياح القرب على قلوب العارفين عَطَّرَتْها بنفخات الأنس، فيَسْقَوْن في نسيمها على الدوام، وفي معناه أنشدوا:
وهبَّتْ شمال آخر الليل قَرَّةٌ *** ولا ثوبَ إلا بُرْدَةَ ورائيا
وما زال بُردِي لينا من ردائها *** إلى الحوْلِ حتى أصبح البُرْدُ باليا
ويقال إذا هبَّت رياح العناية على أحوال عبد عادت مَسَاوِيه مناقِبَه ومثالبُه محاسنه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8